أتلفت حولي دائماً في دهشة متأملاً اختلاف الطبائع في صنوف الحيوان .. مكر
الثعلب ووفاء الكلب وشجاعة الأسد واندفاع الثور .. وصبر النملة وتحمل الحمار
وغضبة الجمل وانتقام الفيل .. ووداعة الحمامة ورقة الغزال وتلون الحرباء وغدر
النمر .. ولؤم الضبع ودناءة الخنزير .. فأرى كل هذه الطبائع التي تفرقت بين
أجناس الحيوان .. قد اجتمعت في الانسان .. وأحياناً أراها في الانسان الواحد
تختلف عليه مع اختلاف الأحوال والمناسبات ؟!
الثعلب ووفاء الكلب وشجاعة الأسد واندفاع الثور .. وصبر النملة وتحمل الحمار
وغضبة الجمل وانتقام الفيل .. ووداعة الحمامة ورقة الغزال وتلون الحرباء وغدر
النمر .. ولؤم الضبع ودناءة الخنزير .. فأرى كل هذه الطبائع التي تفرقت بين
أجناس الحيوان .. قد اجتمعت في الانسان .. وأحياناً أراها في الانسان الواحد
تختلف عليه مع اختلاف الأحوال والمناسبات ؟!
وفي داخل الانسان أرى السموات برعودها وصواعقها وبرقها ورياحها .. وفي
باطنه أيضاً أحس بثورة البركان وتصدع الزلزال وهدوء البحر .. ومثل البحر أراه
يخفي في باطنه الثعابين وأسماك القرش والحيتان القاتلة .. وأحياناً المراجين
واللآليء واليواقيت .. !
باطنه أيضاً أحس بثورة البركان وتصدع الزلزال وهدوء البحر .. ومثل البحر أراه
يخفي في باطنه الثعابين وأسماك القرش والحيتان القاتلة .. وأحياناً المراجين
واللآليء واليواقيت .. !
وفي جسمه أرى تراب الأرض وتثاقلها ورخواتها وصلابتها ورمالها الناعمة .. وأرى جسمه أيضاً مثل الأرض يهوى التلقيح والاخصاب وينبت الورود الناعمة وأحياناً يلد أشجار السنديان الضخمة !
ولهذا يقول العارفون بالله .. إن كل ما نراه في صفحات الكون متفرقاً بين نبات وحيوان وجماد نجده مجتمعاً في كتاب واحد اسمه الانسان .. ولهذا أسجد الله الملائكة لهذا الانسان وسخر له ما في السموات وما في الأرض وأعطاه الخلافة والحاكمية وحفه بأسمائه الحسنى ترعاه بحقائقها وتحفظه بأسرارها .
وقال العارفون إن الانسان هو المراد من خلق الكون كله .. وإن صفوة الانسان هم الأنبياء .. وصفوة الأنبياء هو خاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. فهو الانسان الكامل المراد من جنس الانسان على الاطلاق .. وهو العماد الذي ضربت عليه قبة الوجود .. وهو النبي الخاتم الذي اجتمعت له مفاتيح المعارف وكنوز الرحمة ومقام الشفاعة وأنوار الهداية وتميز على الكل بأنه على خلق عظيم فقال له ربه ( وإنك لعلى خلق عظيم ) .
قد يسأل سائل .. لماذا خلق الله هذا نبياً وذاك ملاكاً وذاك شيطاناً ..؟ ولماذا اختلف الناس إلى نبلاء وسفلة ؟ .. ولماذا جاء هذا المخلوق نملة وجاء الآخر جرادة وجاء الثالث خنزيراً وجاء الرابع صرصوراً ؟ .. ولماذا اختص الله إنساناً بالولاية واختص آخر بالغواية.. ؟؟
يقول الله في قرءآنه ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) .. أي ما أعطينا هذا الخنزير خلقته الخنزيرية إلا لأن نفسه خنزيرية لا تقبل إلا هذه الصورة فجاءت اختلاف الرتب بين الخلائق بناء على استحقاقات أزلية .
وما جعلنا إبليس شيطاناً إلا لأنه لم يصلح إلا للغواية .. وكان قبل ذلك بين الملائكة وكانت لهم رتبتهم ولكنه استكبر ، يقول الله عز وجل ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوماً جهولاً ) .. وكأنما كان كل شيء بعرض .. وكل شيء باختيار .. كأنما كانت كل الحقائق معروضة .. واختار كل مخلوق حقيقته .. وقبلت بعض النفوس الحقائق الملكوتية ولم تقبل النفوس الأخرى إلا الصفات السفلية التي تشاكلها !
ويقول ابن عربي : " إن النفوس كلها كانت أعياناً في العدم لها ثبوت وصف .. ولها تشخيص أزلي قديم لا يعلم به إلا الله .. هو وحده الذي أحاط بصفاتها في حال عدمها .. وعلم مقام كل نفس وما تستحقه .. وما جاءت الدنيا بعد ذلك إلا تحصيل حاصل لهذا العلم الإلهي .. كان الله ولا شيء معه .. وهو الآن على ما عليه كان ، انما هي أشياء يبديها ولا يبتديها .. هي أشياء أخرجها من الخفاء والعدم إلى الظهور والوجود .. وأعطى كل شيء اللبسة الوجودية التي يستحقها .. فخلق كل شيء بالحق ، وأدار الله عجلة الزمن لتكون قصة الابتلاء والامتحان ، وليرى كل واحد من نفسه الأشياء التي كان ينكرها ويعلم المجرم أنه مجرم .. والأمين أنه أمين ..
قد نستطيع أن نمثل على بعضنا أدواراً لبعض الوقت ، وقد يلبس كل واحد غير لبسه ويظهر في غير ثوبه ويرتفع إلى أعلى من منزلته .. ولكن ما يلبث أن تفتضح الحقيقة .. لأن الزمن دوار والنفس يُزج بها في مأزق بعد مأزق حتى تفتضح رغم أنفها .. فلا مفر في النهاية من أن تكون نفسك .. وكانت الدنيا هي المقدمة وسجل الأعمال .. لتكون منازل الآخرة بعد ذلك منازل عدل لا مراء فيه ويرى كل واحد نفسه على حقيقتها .. ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ) ..
* الجواب لم ينتهي .. وللحديث تتمة قريباً ان شاء الله ..
عالم الأسرار - د/ مصطفى محمود