يُقصد بالأنانية، هنا، حب الذات الذي يطغى على طباع الشخص في تعامله مع الآخرين، والأنانية كجزء من الطباع، تعتمد، أساساً، على طريقة التنشئة، وإلى أي حدٍّ يُنَميِّ لدى الشخص إحساسه بذاته، وانحيازه لها، وبعده عن مراعاة الآخرين واحتياجاتهم، فإذا عودنا الطفل أن تُشبع احتياجاته هو، أولا، حتى لو كان على حساب الآخرين، فإنه سوف يتقمص مبدأ (أنا وبعدي الطوفان).
وللأسف الشديد، نحن ما زلنا كمجتمع شرقي، يحب الأبناء الذكور، ويرفع من قِيمتهم فوق الإناث، ويعطي الأولوية للولد على أخته، بل يجعله يتحكم فيها، حتى لو كانت أكبر منه سناً، وأحسن منه تصرفاً، فقط لأنه ذكر، بل وتخدمه. وكانت، إلى عهد قريب، لا تجرؤ أن تأكل معه، فبعد أن ينتهي من أكله، تجلس لتأكل ما تبقى، وهذا ما يزال سارياً في بعض المجتمعات.
لا شك أن هذا الأسلوب في التربية، سيجعل الولد أنانياً، يفضل نفسه على غيره، ولكن، من أعطاه هذا التفضيل، إنها هي، المرأة، في صورة الأم، لأنها ترى المجتمع يحكمه الرجال، فهم يضعون القوانين وينفذونها، وهي، أي الأم هنا، واقعية، ولكن، لكي تجعله رجلاً قادراً على العطاء، عليها أن تربي فيه مراعاة احتياجات الآخر، لأنها، هي، نفسها، آخر بالنسبة له، وعندما تكبر، هي في حاجة لرعايته لها، ولو كان أنانياً، فالويل لها. ومن ثم، فإن الرجل ليس أنانياً في صورته الجينية، (Genetically)، ولكنها التربية هي التي تنمي الضمير، وتهذب من الغرائز والاحتياجات، وترسي أُسس الأولويات لديه.
وبعد، فإن الصراحة والموضوعية المنطقية والتحليلية البحتة، عند البحث في الحديث عن الحب، والبُعد عن الخيال الأسطوري للحب، قد يجرد الحب من قدسيته، ويهوى به إلى أرض الواقع. هذه القدسية، التي اعتدناها من الشعراء والأدباء، إذ جعلوا الحب صنماً ضخموا في قدسيته بالقصائد الطوال وأساطير الخيال، ولكنه، في الحقيقة، شكل آخر من أشكال الأنانية وحب الذات (نرجسية ثانوية)، شكل يساعدنا على التكيف والاستمرار في هذه الحياة، وهو ضروري ليجعلنا نتحمل إحباطات الحياة، ونستطيع العيش فيها، ولكن إذا أصبح الحب نفسه هو المحبط، فتوضيح حقيقته على هذه الصورة، قد يكون معيناً على مواجهة ذلك الإحباط. إنها نفس الإنسان البالغة التعقيد. وتلك هي حقيقة الحب، التي ستكون مرة لأُناس، وبلسماً وشفاءً لآخرين.