مدارج الرقي
القراءة مفتاح المعرفة وطريق الرقي؛ وما من أمة تقرأ إلا ملكت زمام القيادة وكانت في موضع الريادة وخير شاهد ما نعاصره من تفوق النصارى في الغرب والبوذيين في اليابان وتراجع المسلمين الذين نزل كتابهم العزيز المقدس مبتدئاً بالأمر " اقرأ " ؛ والأمر ذاته يصدق في حق الأفراد من الناس. والقراءة نزهة في عقول الرجال كما قال المأمون وتجربة ماتعة لا يكاد يهجرها من سحرته الكتب وهام بالمؤلفات وعشقها فهي سميره وحديثه ورفيقه ومحور حديثه وموضع اهتمامه.
والقراءة ذات شان عظيم حتى عند من لا يستمتعون بها ولذا تكثر الأسئلة حولها ويحرص المهتمون على ما ينفعهم فيها ما بين قراءة كتب موجهة أو الالتحاق ببرامج تدريبية أو استضافة ذوي التجارب للاستفادة منهم؛ وهذا كله مسلك مبارك يؤازر ويثنى عليه. ومع أهمية الموضوع إلا أني كنت أهاب الكتابة فيه وأتجنبها قدر المستطاع وما دعاني للكتابة حولها إلا كثرة السؤال ممن لا يسع المرء إلا أن يجيبهم فأحببت اتخاذ هذه المقالة مادة أحيل عليها من يسأل عسى الله أن ينفع بها ويجعلها من الصدقة الجارية.
أولاً: لماذا نقرأ؟
والجواب ليس عندي حتماً لأن كل إنسان يعرف هدفه من القراءة؛ وفي الغالب فأهداف القراء هي:
1. أهداف تعبدية: كقراءة القرآن وكتب العلم وهي أشرف أنواع القراءة وأجلها ولا ينبغي لمسلم العدول عنها ألبته.
2. أهداف وظيفية: كمن يقرأ في صلب تخصصه وطبيعة عمله.
3. أهداف تطويرية: وهي قراءة ما يصقل الشخصية ويعزز المواهب.
4. أهداف ثقافية ومعرفية: مثل القراءة العامة للمعرفة والإطلاع وزيادة المخزون الثقافي.
5. أهداف ترويحية: إذ القراءة بحد ذاتها إيناس للنفس فكيف إن كان المقروء من النوادر والملح والحكايات المستطرفة والأعاجيب؟
6. أهداف واقعية: بالتفاعل مع الواقع كالعروس يقرأ قبل الزواج أو من يسمع عن منظمة التجارة الدولية فيقرأ عنها.
ثانياً: أسباب العزوف عن القراءة:
1. أسباب تربوية: حيث تغيب ثقافة الكتاب عن بعض البيوت والمحاضن التربوية.
2. أسباب شخصية: كالجهل والغرور والنظرة القاصرة للنفس ويدخل ضمنها ضعف المستوى التعليمي.
3. أسباب اقتصادية: بسب غلاء أسعار الكتب أو فقر الإنسان أو قصور دخله عما هو أهم أو ما يظنه أهم إضافة إلى استغراق بعض الأعمال جل اليوم.
4. أسباب إدارية: وتبرز عند من لا يحسن تنظيم وقته ولا يعرف أولوياته ولا يرتب أدواره الحياتية.
5. أسباب ترفيهية: فبعض الناس رفاهيته هي الأصل ولا مكان للجدية إلا في ركن قصي يضيق ولا يتسع. ولعل انتشار وسائل الإعلام والانترنت مما يدعم هذا الجانب.
6. أسباب منفعية: حيث يقول قائلهم: وأي شيء ناله القراء من كتبهم؟! هل صاروا " نجوماً " كمن يحسن التحكم في قدمه أو حنجرته أو بعض جسده؟
ثالثاً: كيف نتعود على القراءة؟
1. لابد من وجود قيمة معنوية للكتاب في البيت والمسجد والمدرسة.
2. أهمية المكتبة المنزلية العامة ومكتبة المسجد أو الحي ومكتبة المدرسة.
3. البحث عن القدوات والأمثلة الحية؛ وكلما كانت القدوة قريبة كالأب والزوج والجار والمعلم وإمام المسجد كان أثرها أبين وأسرع.
4. زيارة المكتبات العامة والتجارية ومكتبات العلماء والمثقفين الخاصة.
5. تحديد ساعات يومية للقراءة والالتزام بها.
6. البدء بالكتب اللطيفة وذات الموضوعات المحببة للنفس.
7. اقرأ في المجالات التي تشعر بمسيس حاجتك لها لتعرف نفاسة القراءة فلا تفرط بها.
رابعاً: كيف نقرأ؟
1. حدد عدداً من الكتب لقراءتها خلال السنة؛ بمعدل كتابين أو أكثر شهرياً. على أن تكون خطتك مرنة وقابلة للتكيف حسب المتغيرات.
2. استخدم قلم الرصاص في التعليق ومحاورة المؤلف؛ وقلم الرصاص أفضل من غيره للطف أثره وسهولة محوه وتغييره. ويمكن استخدام الأقلام الفسفورية للإشارة إلى أمر مهم وأفضلها القلم الأصفر لأنه لا يظهر في تصوير الأوراق.
3. اجعل مكان قراءتك مضاءاً بالمريح المعين من الأنوار وليكن جيد التهوية مهيئاً بكل ما قد تحتاجه من أوراق وأقلام وملصقات وغيرها. واحذر من وسائل الاتصال في أثناء خلوتك الثقافية.
4. قد تخلو بعض الكتب من عناوين جانبية فضعها على جوانب الصفحة لسهولة الوصول إليها مستقبلاً ولحملك على مزيد من التركيز في أثناء القراءة.
5. استخدم الملصقات اللطيفة لتحديد موضع التوقف ولا تثني ورق الكتاب أو تضع القلم داخله.
خامساً: ماذا تقرأ؟
1. لا بد من العناية بأركان الثقافة في خطة القراءة، وهذه الأركان مشتركة بين جميع الأمم والحضارات وإن اختلفت في الماهية، وهي:
• الدين: فلا مناص من إكثار القراءة في علوم الشريعة الغراء إلى درجة التضلع من بعضها فهي أشرف العلوم وأجلها وأسماها لارتباطها بالرب العظيم - سبحانه -.
• اللغة: فليس مثقفاً من لا يعرف لغته؛ ويجمع حشفاً وسوء كيلة إذا أحسن لغة أجنبية وهو أجهل بلغته من دابته التي يمتطيها. وقد يحوز السوء كله حين يترجم من لغة أجنبية إلى لغته التي لا يجيدها.
• التاريخ: فمن جهل ماضيه صعب عليه فهم حاضره وصنع مستقبله.
2. ويتبع ذلك بناء قاعدة معرفية أفقية واسعة بالقراءة في أساسات الفنون وتواريخ العلوم بحيث يتكون لديك إلمام عام بكثير من العلوم.
3. ثم يتخصص القارئ في مجال يرى نفسه مقبلة عليه أو الحاجة إليه عظيمة.
4. ومن الحكمة أن يعتني القارئ بالنظر في القضايا المستجدة التي تطرأ بين الحين والآخر ويتأكد هذا الأمر في شان العلماء والدعاة والكتاب.
سادساً: لمن تقرأ؟
1. ابدأ بأكابر أهل الدين لتعرف الإسلام بدراية وعلم؛ وليكن لك حبل متين مع علماء السلف رضوان الله عليهم.
2. ثم اقرأ لفضلاء أهل العصر الذين يوثق بعلمهم وأمانتهم.
3. اقرأ للأدباء والمفكرين والكتاب الذين لا يعرف عنهم سوء نية أو طوية باستقراء ما كتبوه.
4. اقرأ لأهل الحضارات والملل ما يفيدك ويزيدك.
5. اقرأ للمخالفين حتى تعرف وجهة نظرهم (بشرط أن يكون لديكَ علم يدرأ الشبهات، واحذر مخالفي العقيدة إن لم يكن لديكَ مزيد علم بها، فشبههم تحتاج لعلم راسخ).
6. اقرأ للأعداء حتى تأمن شرهم عليك وعلى أمتك.
وليكن واضحاً أن القراءة للصنفين الأخيرين مظنة الزلل فلا يقدم عليها القارئ إلا بعد مشورة وتمكن ودعاء دائم بالهداية للحق.
سابعاً: أين تقرا؟:
1. اتخذ مكاناً في الدار للقراءة وليكن ملائماً من جميع النواحي.
2. إذا كنت مسافراً أو في مكان انتظار فلا تنس كتابك.
3. اجعل في سيارتك كتاباً مما لا يحتاج إلى متابعة القراءة لتنظر فيه إن اضطررت إلى الانتظار بسبب عطل أو مخالفة أو غير ذلك.
4. مكان العمل مناسب للقراءة بعد الفراغ من كل مهمة توكل إليك على الوجه المطلوب ودون تفريط بأمانتك.
ثامناً: متى تقرأ؟:
1. جدول القراءة ضمن برنامجك اليومي واحرص على الوقت المتصل بلا انقطاع.
2. تحين أوقات الانشراح والسعادة واجعلها للقراءة.
3. وإذا ما خلا البيت من الصبية وأمهم فاهتبلها فرصة!
4. إذا أردت أن تكتب أو تخطب أو تشارك في منشط ثقافي فاقرأ.
5. إذا كثرت همومك فاجعل من الصلاة والقراءة روحاً لك.
6. يبقى لكل إنسان وقته المفضل للقراءة فاكتشف نفسك في الأبكار والأصائل والأسحار.
تاسعاً: ماذا تفعل بعد القراءة؟:
1. اكتب في نهاية الكتاب ما يشير إلى فراغك منه وستكون من ذكرياتك الجميلة.
2. راجع أفكار الكتاب الرئيسة وفوائده.
3. سل نفسك إن كانت تحتاج إعادة قراءة الكتاب.
4. وسلها أيضاً إن كانت تحتاج لكتاب يعرض وجهة نظر أخرى.
5. تواصل مع المؤلف شاكراً أو ناقداً أو مستوضحاً.
6. ناقش الكتاب مع لداتك وأصحابك.
7. انقل فوائد الكتاب لسجلك الخاص إن كنت تتبع هذه الطريقة.
8. أوص غيرك بقراءة الكتاب أو بتجنبه حسب تقييمك.
9. إن حوى الكتاب انحرافات خطيرة فاحتسب بتبليغ الجهات المسؤولة والعلماء ولا تنس مراسلة الناشر والمؤلف والمكتبة لمناصحتهم برفق وأدب.
عاشراً: كيف تستفيد من قراءتك؟:
1. لا تقرأ إلا بتركيز وانتباه وحولك القلم.
2. ضع عناوين داخلية لموضوعات الكتاب وأسئلة يجيبها خاصة إن خلا منها الكتاب.
3. تعامل مع فوائد الكتب بفعالية كما سيأتي.
4. كرر قراءة بعض الكتب خاصة المهمة بالنسبة لك.
5. من المناسب الاتفاق بين زملاء متقاربين في العمر والاهتمامات لقراءة كتاب معين أو القراءة حول موضوع ما دون تحديد عنوان ثم مناقشته.
الحادي عشر: طرق مقترحة للتعامل مع الفوائد:
1. أشر لفوائد الكتاب في الصفحات البيض الأول.
2. انقل الفوائد لدفاتر خاصة.
3. استخدم نظام البطاقات التي تسهل الوصول للمعلومة مباشرة؛ وهي طريقة يستعملها بعض المعاصرين تقوم على جعل فوائد كل علم في بطاقات خاصة ثم تفريع هذا العلم في بطاقات وهكذا.
4. إذا وجدت معلومة عن موضوع في كتاب لا يمت لهذا الموضوع بصلة فانقلها لكتاب متخصص عن هذا الموضوع أو أشر إليها في حواشي الكتاب المتخصص.
الثاني عشر: كتب الإحماض والتسلية:
1. من أفضل طرق دفع الملل اتخاذ كتابين للقراءة أحدهما أصل والآخر لتجديد النشاط وبعث الحيوية وهو كتاب " الإحماض " والتسلية.
2. تتميز كتب الإحماض بتوسط الحجم غالباً وسلاسة الأسلوب ووضوح الفكرة ولا يشترط في قراءته التتابع.
3. تقرأ هذه الكتب حين التعب أو السأم أو الانشغال.
4. كتاب " السرير " وهو ما يقرأه الإنسان قبل نومه كتاب تسلية في الغالب.
5. ويحسن بالقارئ تخصيص كتاب إحماض في السيارة ليقرأه إن اضطر للانتظار بسبب عطل أو حادث أو مخالفة لا قدر الله -.
6. وللمرأة في مطبخها كتاب تسلية وإمتاع.
7. ينبغي على القارئ ألا يتعود على كتب التسلية فينصرف عن المؤلفات الجادة.
8. لكتب الإحماض فوائد في إخصاب الخيال وتجديد النشاط ورفع الهمة.
9. وصف الكتاب بأنه للإحماض ليس فيه غض ولا تنقيص من قدر المؤلف أو الناشر أو الكتاب؛ بل لهم الشكر والثناء على الإمتاع والمؤانسة وعلى إبقاء علاقة الواحد منا بالكتاب حتى في أصعب الأحوال.
الثالث عشر: أسلوب الفراشة:
1. هو الانتقال من كتاب لآخر قبل الفراغ من الأول وهكذا في عادة يندر معها أن يرى القارئ غلاف الكتاب الأخير.
2. من أضرار هذه الطريقة: فقدان الفائدة الكاملة الخلل في فهم المؤلف والكتاب- غياب الجدية في الطلب- خداع النفس.
3. للتغلب على هذه المصيبة الثقافية:
-اتخذ كتاباً للقراءة وقت النشاط وآخر للإحماض حين التعب أو لدفع الملل.
-قسم الكتاب إلى عدة أقسام وحدد فترة زمنية مناسبة لقراءة الكتاب.
- استخدم أسلوب التلخيص وتقييد الفوائد ومحاورة الكاتب على حواشي الصفحة وكتابة الاعتراضات والتحفظات ومواطن الاستفهام لتطرد الملل والسآمة وتشعر بلذة المثاقفة والقراءة الناقدة؛ وفائدة أخرى تتمثل في تجاوز القداسة التي نضعها بتفكيرنا الخاطئ لكل مطبوع؛ إذ لا قداسة إلا لكتاب الله وللصحيح من حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
- لا تقرأ كتباً جادة متتابعة أو في أوقات الانشغال وكثرة الصوارف والشواغل وما قد يعتري الإنسان من مكدرات ومنغصات سلمك الله ومن يقرأ منها.
- ركز على قصار الكتب مدة سنة كاملة مثلاً حتى تتعود على رؤية دفتي الكتاب الذي تقرأه.
- اعتن بالفن الذي تعشق القراءة فيه؛ علماً أني جئت بكلمة " العشق " متعمداً لدلالة معناها في السياق الذي أريده.
- اتفق مع الأصدقاء على قراءة كتاب مشترك ونقاشه؛ ولتكن لك معهم دورية ثقافية وسترى أثرها عياناً لا خبراً.
- للمجلات النافعة أثر في التعويد على القراءة؛ فإذا ما وقعت بين يديك مجلة نافعة فليكن من التهامها هنيئاً مريئاً طريقاً لالتهام الكتب كاملة فهي بالتأكيد ألذ وأشهى.
الرابع عشر: تزاحم الكتب:
وبالنسبة لتزاحم الكتب وقلة الأوقات وصعوبة اختيار ما سيُقرأ؛ فكل عنوان مغرٍ بالقراءة وكل كتاب يتطاول بعنقه ليُرى وكل موضوعٍ ينادي بغير لسان أنا الأهم دون غيري، فإن هذا الأمر يصيب كل المثقفين وبخاصة نهمي القراءة وأقترح عليكِ هذه الحلول:
1- استخدام فقه الموازنات ومراعاة المصالح والمفاسد " وليس الفقيه مَنْ عرف الخير من الشر، لكن الفقيه مَنْ عرف خير الخيرين وشر الشرين "؛ فاختر من الكتب ما تراه مهماً وأجل الأقل أهمية وإلحاحاً.
2- اعتن بواجب الوقت؛ فقبل رمضان يحسن مثلاً القراءة في أحكام الصوم دون الحج. ومثل ذلك يُقال لو كنت ستشارك في محفل أو ندوة عن العولمة مثلاً أو طُلب إليكِ الكتابة أو التحدث في موضوع ما.
3-استخدام الملخصات مفيد للغاية في هذا الباب؛ وفكرة الملخصات تقوم على اجتماع عدد من الأصدقاء في دورية للحديث عن كتب انتهوا من قراءتها وتلخيصها.
4- تحديد خطة ثقافية سنوية بواقع كتابين شهرياً مثلاً؛ واختيار العناوين بعناية مع إفساح المجال للحالات الطارئة، وهذا يكون بالتزام المرونة في الخطة.
5- ويحسن في الخطة التركيز على موضوعات بعينها يرى واحدنا مسيس حاجته إليها، ولا إشكال أبداً لو خصص الإنسان سنة كاملة للقراءة في فن معين.
6- لا تحرص على قراءة كل شيء؛ فكم من مطبوع لا قيمة له أبداً.
7- اتخذ كتابين للقراءة في وقت واحد؛ على أن يكون الأول هو الأصل والثاني للإحماض كما سبق.
الخامس عشر: التغلب على الملل والكسل:
الملل من كواذب الأخلاق كما قال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -؛ ولذا فلا بد من أن تُجهز عليه أثناء القراءة لتسلم وتغنم؛ وأقترح ما يلي:
1- الدعاء والتوكل على الله دوماً.
2- حدث نفسك أنك جاد ومثابر وقادر على تجاوز هذه المشكلة.
3- تعرف على الساعة الذهبية في يومك لتجعلها حكراً على القراءة الجادة.
4- اقرأ المقدمة والفهرس وملخص الفصول وقائمة المراجع؛ ولهذه الطريقة فوائد منها:
• تتعرف أكثر على الكتاب مما يزيل الجفوة ويقضي على الرهبة والخوف من حجمه وجديته.
• تزداد حماستك للكتاب ولأجزائه المثيرة خصوصاً.
• تتمكن من تصور الكتاب وموضوعاته ومدى ترابطها ثم تحدد وقتاً لإنهائه وتقسيماً مناسباً لفصوله ومباحثه؛ علماً أن التوقيت نوع من التحدي المحفز.
5- أثناء القراءة وخاصة الجادة لا بد من محاورة الكاتب ومناقشته على صفحات الكتاب لتكون قارئاً بإيجابية غير مسلِّم بالمطبوع 100 % خلا كتاب ربنا جل جلاله وما صح من حديث حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - ؛ وهذه الطريقة ستنفي الملل خلف أسوار الصين وتساهم في فتح مسامات الذهن وبناء العقلية النقدية.
6- إذا استغلق شيء فدعه ثم عد إليه في وقت آخر بعد دعاء الله بفك المستغلق فإن كان وإلا اسأل عن هذا المستغلق أهل الشأن والمعرفة والأفضل سؤال المؤلف نفسه إن تيسر الوصول إليه.
7- إنما العلم بالتعلم؛ وسعي الإنسان لاكتساب العادات الحميدة أمر حسن محمود؛ فهكذا يبدأ التغيير: فكرة ثم قرار ففعل فعادة ثم شخصية مثقفة واعية فمصير ومآل كريم بإذن الله.
وللتغلب على الكسل أقترح ما يلي:
1- الاستعاذة بالله منه صباح مساء حسبما جاء في الورد المحفوظ " اللهم إني أعوذ بك من الهم والغم والحزن ومن العجز والكسل... " الحديث.
2- النظر في سير الأسلاف وهمتهم العالية من خلال تراجمهم وأخبارهم المدونة. وكذلك التعرف إلى نماذج من القدوات المعاصرة.
3- استثارة الهمة واستحثاثها فلابد للقمة من همة تبلغها.
4- محاولة التعرف على تجارب القراء وأخذ الأُسى جمع أسوة منها.
5- اعتماد المشاريع الثقافية واستصحاب التحدي وتحديد الوقت لكل كتاب مع فرض غرامة على التأخر.
6- إذا داهمك الكسل فجابهه بمطلبك العالي ورغبتك السامية وحينها سيولي حسيراً كسيراً.
7- أربأ بك من أن يقعد بك الكسل وهو بئس القعيد؛ وقد قيل لبحر بن الأحنف بن قيس: ما يمنعك من أن تكون كأبيك؟ قال: الكسل!.
السادس عشر: بين الاستيعاب وشرود الذهن:
1. استيعاب المقروء وفهمه والاستفادة منه وتوظيفه أحد غايات القراءة السامية؛ ولذا فلا مناص من القراءة بتمعن وتركيز لتحصيل أعلى قدر من الاستيعاب.
2. سل نفسك بعد نهاية كل فصل: بما خرجت؟ وماذا استفدت؟
3. اقرأ كالداخل لامتحان بين يدي أستاذ بصير نقاد صعب المراس كثير الجدل.
4. اجعل زمان ومكان القراءة من المساعدات على التركيز ولا يكونا جالبين للشرود كمن يقرأ في مكان مزدحم أو ذي مناظر بهيجة، ولا تقرأ حال النعاس أو الجوع أوالمتابعة لأشياء أخرى كالتلفاز مثلاً.
5. إذا شعرت بصعوبة الكتاب أو استغلاقه على الفهم فدعه على أن تعود إليه إن تهيأت نفسك لقراءته.
6. ألزم نفسك بملخص لكل كتاب أو مقالة حول موضوعه ثم قيم عملك.
7. القراءة الصامتة أفضل للتركيز؛ لكن قد يكون في رفع الصوت أحياناً فائدة لاجتماع الأذن والعين في مهمة الاستيعاب.
8. سرعة القراءة ليست مطلباً باستمرار؛ فبعض الكتب لا ينفع معها إلا التروي والتريث.
السابع عشر: بين السرعة والنهم:
1. متوسط قراءة الإنسان في لغته بين 200-300 كلمة في الدقيقة.
2. سرعة القراءة ليست هدفاً ولا تصلح مع كل كتاب.
3. يمكن الاستفادة من سرعة القراءة في أثناء البحث عن معلومة معينة أو في قراءة كتاب ماتع أو القراءة التصفحية.
4. من آليات تسريع القراءة: استخدام القلم للتتبع وقراءة عدة كلمات مرة واحدة بوضع العين عليها وعدم الرجوع إلى ما سبق خاصة إذا أمكن فهمه من دلالة السياق.
5. نهم القراءة ليس مطلباً إلا إذا توافر فيه شرطان: جودة المقروء وحسن الفهم على ألا ينشغل الإنسان بالنهم الثقافي عن أمور أفضل وأولى.
6. بعض المعاصرين يقرأون من 8-12 ساعة يومياً؛ وقد تزيد مدة القراءة عند بعضهم.
7. كي تكون نهماً يجب أن تتخلى عن قدر كبير من الراحة واللهو ليتسنى لك تحقيق مطلبك الأعلى؛ وقيمة كل إنسان ما يطلب كما قال ابن القيم - رحمه الله -.
الثامن عشر: أنواع القراءة:
1. القراءة التعبدية: وهي قراءة القرآن الكريم.
2. القراءة العلمية: وهي قراءة كتب العلم لنفسك أو لأهلك أو لمسجدك وهي طريقة مناسبة لتحصيل العلم لمن لم يتمكن من الدروس العلمية على أن يكتفي المرء بالقراءة دون الفتوى إلا كناقل ضابطٍ عن ثقة عالمٍ مأمون.
3. القراءة التخصصية: في كتب التخصص ومراجعه.
4. القراءة الخاصة: وهي القراءة في الفن الذي يحبه الإنسان وقد يكون هذا الفن تخصصه وقد لا يكون.
5. القراءة الثقافية: في المعارف العامة والحضارات وعادات الشعوب.
6. القراءة الموسمية: كمن يقرأ عن الصيام والاعتكاف قبيل رمضان.
7. القراءة البحثية: وهي القراءة لكتابة مقالة أو بحث أو خطبة أو للمشاركة في المجامع الثقافية والعلمية. ويدخل ضمنها القراءة لمؤلف واحد أو في فن واحد.
8. القراءة الاضطرارية: وهي أن يقرأ الإنسان ما يكثر الحديث حوله ليدفع عن نفسه معرة الجهل به؛ وقد لا يكون المقروء من محاور اهتمامه.
9. القراءة النقدية: وهي القراءة في الكتب المخالفة لنقدها على أن لا يكون النقد هدفاً بحد ذاته.
10. القراءة المكررة: وهي تكرار قراءة الكتاب ولها من المنافع ما يعرفها المجرب.
التاسع عشر: كيف تشتري الكتب؟
1. اجعل في ميزانيتك حقاً معلوماً للتطوير الذي يشمل البرامج التدريبية والكتب والمجلات والوسائط المعلوماتية.
2. زر غير ما مكتبة مرة شهرياً على الأقل.
3. استخدم الهاتف للسؤال عن الكتب وأسعارها قبل الذهاب للمكتبة.
4. اجعل زيارتك للمكتبة في متسع من الوقت كبعد العشاء مثلاً.
5. قلب الكتاب لترى إن كان فيه عيوب طباعية كتغير ترتيب الصفحات أو مسح بعض الكلمات أو انقلاب الصفحات أو أي أمر لا يحمد في الكتاب.
6. إذا كان الكتاب عدة أجزاء فتأكد من وجودها كاملة.
7. انظر في مقدمات الكتب وفهارسها قبل الشراء.
8. اختر الكتب المجلدة والألوان المناسبة.
9. لا تشتر الكتاب العلوي من كل مجموعة لكونه عرضةً للغبار ولتقليب الزبائن وللسقوط المتكرر.
10. لا تأسف على ما تدفعه من مال لشراء الكتاب.
11. ابحث عن الكتب المحققة من قبل خبراء أفذاذ واحذر من تجار التحقيق الغششة.
12. إذا عدت لدارك محملاً بالكتب فتحين غفلة أمك أو زوجك - أو خروجهما- حتى لا يصب عليك من اللوم ما لا تحب!
العشرون: مكتبتك:
1. اتخذ لها مقراً مناسباً إن أمكن وإن استطعت فاجعل لها مدخلاً خاصاً لتستقبل فيها أضيافك المثقفين أو لتدخل منه في غفلة من الرقيب!.
2. أصنع لمكتبتك خاتماً حتى تميز كتبك؛ ويتأكد هذا الأمر في البيوت التي يكون فيها مكتبة مشتركة وقراء كثر.
3. ضع خاتماً تبين فيه وجود مخالفات شرعية واختم به الكتب المخالفة حتى لا تبوء بإثمها.
4. رتب مكتبتك بطريقة تسهل عليك الوصول لمبتغاك ورقم الكتب حسب فنونها.
5. اجعل الكتب الدينية هي الأعلى لأنها بالمحل الأسنى.
6. كمل مكتبتك بالأمهات من الكتب ولا تبخل على نفسك.
7. اتخذ من وسائل السلامة ما يحمي المكتبة بعد رحمة الله من كل ما يضر بالكتب.
8. ادخل كتبك في قوائم ورقية أو حاسوبية ويمكن استخدام برامج الحاسب لهذا الغرض.
9. ضع عندك دليلاً للمستعيرين؛ فإعارة الكتب بركة لا ينغصها إلا إهمال المستعير وتضييعه الكتاب أو تأخير رده. وللاستعارة أحكام وآداب وقصص يحسن الرجوع إليها.
10. لا تستضف في مكتبتك فضولياً ولا مستهاماً باستعارة الكتب دون قراءتها.
11. ضع في مكتبتك ركناً خاصاً لكتب ترى لها مزية على غيرها.
12. لا تتنازل عن مقر مكتبتك ليكون مخزناً أو غرفة ألعاب مهما أجلب عليك القوم بخيلهم ورجلهم.
أخيراً: فوائد متفرقة:
1. تعويد الأطفال على القراءة مسؤولية الأبوين؛ ولهذا الأمر المهم كتب ودراسات متخصصة.
2. ما أجمل أن يقرأ الزوجان لبعضهما.
3. لا تتوقف عن القراءة أبداً ولا تدمن هجران الكتب.
4. يمكن الاستعانة ببعض المساعدات في القراءة والتي لن تكون بديلاً عن الكتاب مثل الكتاب الإلكتروني والأقراص الممغنطة ومواقع الانترنت وملخصات الكتب والندوات والأشرطة.
5. الاستفادة من تجارب القراء وتسجيلها أمر نافع غاية النفع.
6. إذا توقفت عن قراءة كتاب لعارض فضع إشارة وعلامة في المكان الذي توقفت عنده لتواصل منه إن كنت مستوعباً لما مضى منه.
7. قراءة الكتب بلغتها الأصلية أفضل بسبب غثاثة الترجمات العربية في الغالب مع عظيم الأسف.
8. اكتب في نهاية الكتاب تاريخ قراءته وملخصاً عنه.
9. إذا اجتمعت بصحبك في الاستراحات أو البراري أو البيوت فسل كل واحد منهم عما قرأ؟ وماذا سيقرأ؟
10. زر معارض الكتاب ففيها من الأنس واللذة وبهجة المناظر ما لا يخطئه الناظر.
11. لا تدخل كتاباً في رفوف مكتبتك قبل قراءة مقدمته وفهرسته ونتفٍ منه؛ وإن لم تفعل فثق أنك ستعاود شرائه من جديد أو تنسى وجوده ضمن مقتنيات المكتبة.
12. لا تكتب قبل أن تقرأ؛ فحتى تكتب بتفوق لا بد أن تقرأ بتذوق.
وفي الختام أسأل الله لي ولكم مزيداً من العلم والثقافة والعمل لننفع أمة طال سباتها وتكالب أعدائها واستفحل ظلمها والعدوان عليها؛ وقد كتبت ما كتبت ليستفيد منه المقبلون على الحياة بالأمل المشرق والتفاؤل الكبير والعمل المثمر؛ الذين لهم في نفسي مكانةً عالية.
0 التعليقات: