الحرب النفسية هي الاستعمال المخطط والمُمنهج للدعاية ومختلف الأساليب النفسية للتأثير على آراء ومشاعر وسلوكيات العدو بطريقة تسهل الوصول للأهداف. كما أنها وسيلة مُساعدة لتحقيق الاستراتيجية القومية للدولة. وتُشن في وقت السلم والحرب على السواء، وتُستخدم فيها كل إمكانيات الدولة، ومقدراتها من سياسية، واقتصادية، وعسكرية، وإعلامية وغير ذلك من القوى التي تتفاعل مع بعضها البعض لتحدد كيان المجتمع وشكله.ويمكن القول أيضاً أنها متأصلة في جذور التاريخ الإنساني، ولهاأمثلة كثيرة لها في تاريخ الجنس البشري.
مفاهيم متغيرة ومصطلحات
ليس من السهل بحال ان نضع تعريفاً محدداً للحرب النفسية، أو نحدد مجالها. وحتى وقتنا هذا فإن الحرب النفسية غير واضحة في أذهان الكثيرين على الرغم من الكتابات الأجنبية العديدة التي عالجت هذا الموضوع. والحرب النفسية تبدو في أذهان الناس بمفاهيم مختلفة متغيرة، ولم يتمكن حتى ألئك الذين تخصصوا في هذا الموضوع أن يضعوا هذا الاصطلاح في إطار واضح المعالم. ولقد جاء هذا الاختلاف في تحديد تعريف واضح للحرب النفسية، نتيجة أن مجال نشاطها غير متفق على حدوده، وحتى بين الهيئات المختلفة داخل دولة واحدة، فإن مفهوم الحرب النفسية يختلف وتفسره كل هيئة بشكل متغاير.
اتخذت الحرب النفسية الكثير من المصطلحات التي تعبر ولو، وجدانياً، عما تدور حوله. وفيما يلي قليل من هذه المصطلحات:
الحرب الباردة
حرب الأفكار
الحرب الأيديولوجية أو العقائدية
حرب الأعصاب
الحرب السياسية
الاستعلامات الدولية
الإعلام الدولي
العدوان غير المباشر
حملة الحقيقة
الهدف
يسعى دائماً كل طرف من أطراف النزاع قبل المعركة وفي أثنائهاإلى إضعاف موقف الطرف الآخر عن طريق شن هجوم عنيف على القوى الروحية والنفسية لديه، وفي الوقت نفسه يسعى إلى تقوية موقفه هو
أمثلة تاريخية
فتوحات جنكيز خان
فالسائد أن جنكيز خان قد استخدم أعدادا هائلة من المقاتلين واجتاح بهم أغلب مناطق العالم، إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت أن أراضي وسط آسيا لا يمكن أن تعيل أعدادا كبيره من السكان في ذلك الوقت الذين بإمكانهم غلبة سكان المناطق المجاورة المكتظة بالسكان، فأمبراطورية المغول بنيت بإبداع عسكري ليس إلا، باستخدام قوات مدربة سريعة الحركة واستخدام العملاء والجواسيس مع الاستخدام الصحيح للدعاية، فقد أشاع المغول أن أعدادهم خرافية وأن طباعهم شرسة وقاسية بغرض إخافة أعدائهم وخفض معنوياتهم. بالرجوع للتاريخ لا يمكنا معرفة من هو أول من عرف التعذيب النفسي ولكن يمكن القول أنه ظهر بصورة مشتته لا يصلح أن نطلق عليها أنها طريقة سائدة من طرق الحروب البشرية مع ذلك.
ومع ذلك يمكن تعريف بأنها الاستعمال المخطط للدعاية ومختلف الأساليب النفسية للتأثير على آراء ومشاعر وسلوكيات العدو بطريقة تسهل الوصول للأهداف.
فترة الحرب العالمية الثانية
استطاعت دول المحور، دول روما، برلين، وطوكيو أن تجعل شعوبها أولاً راضية عن القيام بحرب عدوانية، ثم قامت بتفتيت خصومها للحصول على النصر جزءاً بعد آخر، وكان عليها أن تخيف أعدائها المباشرين، وأن تُهدئ خصومها المنتظرين.
وقد اقتضت كل المحاولات التي سبقت العمليات العدائية استخداماً واسع النطاق للدعاية السوداء برغم ما بُذل من جهد كبير لإخفاء تلك الدعاية. ولقد حقق الألمان في ميدان الدعاية ثلاثة انتصارات:
في المجال السياسي يجعل كتلة كبيرة من الرأي العام الدولي ترى أن مستقبل العالم يتوقف على الاختيار بين الشيوعية والفاشية.
في المجال الاستراتيجي بأن تبدوا كل ضحية على أنها هي الضحية الأخيرة، وبذلك يتقدم الألمان رويداً رويداً.
في الميدان السيكولوجي باستخدام الذعر الكامل بجعل الشعب الألماني نفسه يخشى من تصفية الشيوعية له، كما استخدمت أفلام عمليات الحرب الخاطفة لإخافة الجماعات الحاكمة في دول أخرى ولتحطيم المعنويات، وتسبب عن ذلك ما يُسمى بالانهيار العصبي للأمم وذلك بابقائها دائماً في حالة شك وعدم تيقن مما يُمكن أن يحدث لها غداً.
من ناحية أخرى، لوحظ أن كلاً من ألمانيا وبريطانيا وجدتا في الإذاعة وسيلة فعالة يُمكن توجيهها إلى كل دول أوروبا على الموجات العادية، بل تستطيع كل منهما أن تتداخل في الإذاعة الأخرى بالقيام بما يُسمى أعمال الشوشرة. لقد ركز كل منهما اهتمامه لجذب انتباه أكبر عدد من المستمعين والتأثير في معتقداتهم، وعواطفهم، وولائهم سواء أكانوا أصدقاء أم محايدين أم أعداء.
خرج الألمان بعد ذلك بما يُسمى حرب الإذاعة وأخذوا منه الدرس والمبدأ الأساسي، وهو عدم السماح لإذاعتهم أن تسبق الحوادث والأحداث، إذ كان الراديو الألماني يعد المستمعين أحياناً لا يستطيع أن يُحققها العسكريون. وقد انتهز البريطانيون ذلك لتوجيه أنظار المستمعين إليها. مما جعل الألمان يضعون ضباط اتصال من الجيش في الإذاعة لمراقبة الاذاعيين في توجيه اذاعتهم.
أما الولايات المتحدة الأمريكية، فلم يكن لديها أي أقسام مدنية أو عسكرية تتوافر لها وسائل الدعاية، ولكن كان لها في الواقع صلات غير مباشرة ببعض الصحف في كل أنحاء العالم.ولذلك كان أول ما قام به الرئيس روزفلت أن عين منسقاً للمعلومات Co-ordinator of Information. وامتلأت إدارته بالإخصائيين ولا سيما في القسمين الخاصين بالبحوث والتحليلات. وجمعت أكوام من المعلومات السياسية والجغرافية، والاقتصادية، ونسقت عمليات الإذاعة من جهة ومع السياسة الخارجية من جهة أخرى. وكانت الظاهرة العامة التي واجهها الأمريكيون في الحرب النفسية التي تولوها كانت تكمن في الناحية الإدارية.
وفي 13 من يونيو 1942، انشأ الرئيس روزفلت إدارة معلومات الحرب لتتولى السيطرة المباشرة وغير المباشرة على كل الدعاية المحلية والدعاية الخارجية في نصف الكرة الغربي الذي بقى تحت إدارة لجنة روكفلر في وزارة الخارجية، وأخذت ادارة معلومات الحرب قسم الإذاعة من إدارة التنسيق، والتي تغير أسمها إلى إدارة الخدمات الإستراتيجية وحددت أغراضها بالآتي:
استمرار جمع المعلومات.
القيام بالدعاية السوداء.
القيام بأعمال المؤامرات والتقويض بالتعاون مع السلطات العسكرية