يشير فرويد إلى أن للسلوك دافعاً داخلياً، من قوى لاشعورية، تكونت عبر تاريخ الشخص وحياته، خاصة علاقته بوالدَيه. وأن ما يفعله الشخص، وما يفكر فيه، أو يشعر به، ينتج من تفاعل دينامي بين عوامل نفسية ثلاثة، هي: الهو (Id)، والأنا (Ego)، والأنا الأعلى (Super Ego). وأن أي اختلاف في توازن أي من هذه العوامل الثلاثة، يؤدي إلى اختلال في تفاعل الآخرَين ونشاطهما معه، ليضادّاه، ويكون الصراع الداخلي.
ويرى فرويد أن وعي الإنسان الأفكار والذكريات والمشاعر، يقع على مستويات ثلاثة. أحدها الشعور، الوعي (Conscious)، الذي يكوّن الجزء القليل من خبرات الإنسان. وثانيها ما قبل الشعور (Preconscious)، وهو المستوى، الذي تكون فيه الخبرات مدفونة تحت الوعي، ويمكن أن تُستدعَى بسهولة. وثالثها اللاشعور (Unconscious)، وهو المستوى، الذي يضم أغلب الخبرات، التي يختزنها في عمق، لا يمكن معه تذكّرها؛ ولكن، يمكن أن يظهر في زلات اللسان، والأحلام، وخلال التداعي الحر (الذي يذكر الإنسان فيه ما يخطر على باله، من دون قصد أو توجيه). ويشبه الشعور (الوعي) بقِمة جبل الجليد، إذ لا يبرز منه إلا جزء يسير. بينما الجزء الغالب مختفٍ تحت سطح الماء، وهو يشبه اللاشعور، في عدم ظهوره، وفي ضخامته، وفي ارتكاز ملامح الشخصية عليه، إلى حدّ كبير.
كما رأى فرويد، أن الشخصية، تتكون من الخبرات، التي يمر بها الطفل، خلال مراحل متعاقبة من النمو، النفسي الجنسي. وأن هناك طاقة ليبيدية، تتركز في منطقة معينة من الجسم، وفقاً لمرحلة النمو؛ فالفم هو محور اللذة الليبيدية، خلال السنة الأولى ونصف الثانية. ولذا، أسماها بالمرحلة الفمية (Oral Phase)، يجد الطفل، خلالها، لذته من طريق المص والأكل والعض، ووضع الأشياء في الفم. والإشباع الزائد، أو الحرمان الشديد، سيثبت كمية أكبر من الليبيدو، في هذه المرحلة، بما يجعل الشخص عرضة للنكوص (Regression)، في الحياة البالغة، إلى سمات هذه المرحلة، من الاعتمادية والشِّرِّة والميول الفمية (التي تشبه مص الثدي)، مثل التدخين ومضغ اللبان والثرثرة.
والشرج هو محور اللذة الليبيدية، خلال النصف الثاني من السنة الثانية والسنة الثالثة. ولذا، سمّى فرويد هذه المرحلة بالمرحلة الشرجية (Anal Phase)، إذ تنمو العضلات العاصرة لفتحة الشرج، وتكون اللذة من خلال القبض على محتويات الشرج، أو إخراجها، كما تكون محوراً للصراع مع الأم في تدريبه على استخدام التواليت (Toilet Training)، والإفراط وقسوة التدريب، كالتفريط فيه، يسببان تثبيتاً ليبيدياً، في هذه المرحلة، يجعل الطفل عرضة، في الحياة البالغة، للنكوص إلى سمات مشابهة لهذه المرحلة، من العداء والبخل والعناد. فعندما تتشدد الأم في أن يمسك طفلها عن تلويث نفسه بالبراز، وتعاقبه على عدم الإمساك، فإنه يخاف، بعد ذلك، من عدم الإمساك، فيكون الإمساك لكل شيء، خاصة المال، فيصبح بخيلاً في الكِبر.
والقضيب هو مصدر اللذة اليبيدية، من الثالثة إلى السادسة من العمر. ولذا سمى هذه المرحلة بالمرحلة القضيبية (Phalic Phase)، وفيها يدرك الاختلاف بين الذكر والأنثى، وينجذب نحو أبيه، من الجنس المقابل، فالولد يحب أمه، ويعاني صراعاً بين حبه لأبيه (المبني على تقمص دوره) وغيرته منه (بسبب امتيازات والده، التي لا يحظى بها). وهذا هو الصراع الأوديبي، الذي ينشأ عنه قلق الخصاء (Castration Anxiety)، الذي يدفعه إلى التخلي عن رغبته في تملك الأم بكبتها، والتوحد بالأب. هذا في حالة عقدة أوديب الموجبة. أما إذا كانت الأم، هي التي يَعُدّها الولد منافسه في حبه لأبيه، فتلك عقدة أوديب السالبة. والعكس يحدث في حالة البنت. ويسمى تعلقها بأبيها عقدة ألكترا (Alectra complex).
ثم تكمن النزعات الليبيدية. ولا تحدث صراعات، في المرحلة من السادسة إلى البلوغ. ولذا أسماها مرحلة الكمون (Latency Phase)، إذ يكون الطفل قد توحد بالأب، وحل الصراع الأوديبي، أو كبته، واكتمل نمو الأنا الأعلى. وفي مرحلة البلوغ، تستيقظ الرغبة الجنسية، وترتبط بالجهاز التناسلي، وتكون العلاقة الجنسية الناضجة من خلال العلاقة بالجنس الآخر. وهذه هي مراحل النمو النفسي الجنسي الخمس، في نظرية فرويد (الفمية والشرجية والقضيبية والكمون والتناسلية).
والشخصية، التي تتأثر بالقوى اللاشعورية، وتمر بمراحل النمو النفسي الجنسي السابقة، عبر نموها ـ تتكون من عوامل ثلاثة: الهو والأنا والأنا الأعلى. ويُعَدّ الهو (Id) العامل الأساسي، وهو الذي يتمايز منه الأنا والأنا الأعلى. ويتكون من كل ما هو فطري موروث، وموجود منذ الولادة، بما في ذلك الغرائز. فهو مستودع الطاقة النفسية؛ إذ إنه يزود العمليات، التي يضطلع بها الأنا والأنا الأعلى، بالطاقة. كما أنه وثيق الصلة بالعمليات الجسمانية التي يستمد منها طاقاته. ويَعُدّه فرويد (الواقع النفسي الحقيقي)؛ لأنه يمثل الخبرة الذاتية للعالم الداخلي، ولا تتهيأ له أي معرفة للواقع الموضوعي. ويهدف الهو إلى تجنّب الألم، وتحقيق اللذة، من طريق الفعل المنعكس، والعمليات الأولية، التي تحاول تفريغ التوتر، بتكوين صورة لموضوع، يزيل التوتر، مثل الطعام لشخص جائع؛ وهي عملية تحقيق رغبة في الخيـال. ولكن هذه العمليات الأولية، لا تحقق الإشباع، ولا تخفض التوتر؛ فالشخص الجائع، لا يمكنه أن يأكل ما يتخيله من الطعام. ولذلك، تظهر عمليات نفسية ثانوية، من طريق العامل الثاني، وهو الأنا.
أما الأنا (Ego)، فينشأ للتعامل مع الواقع الخارجي. وعليه تقع مسؤولية فهْم هذا الواقع، والتصرف على أساسه، وفق العمليات الثانوية (أي التفكير الواقعي). فالأنا من طريق العمليات الثانوية، يكون خطة لإشباع الحاجة، ثم يختبر هذه الخطة، هل هي صالحة أم لا؟ وهذا يسمى اختبار الواقع (Reality testing).وهو يستخدم جميع الوظائف النفسية لأداء دوره بكفاءة.
فالأنا، إذاً، هو الجزء المسيطر على سلوك الشخصية، يختار من البيئة الجوانب التي يستجيب لها، ويقرر الغرائز التي ستشبع، وكيفية ذلك الإشباع. وعلى الأنا، عند قيامه بهذه الوظيفة التنظيمية، أن يعمل على تكامل مطالب، كثيراً ما تتصارع فيما بينها. وهي مطالب (الهو)، و(الأنا الأعلى)، و(العالم الخارجي). وهو ما يجعله عرضة لصراعاتها، فيلجأ إلى حيل دفاعية (Defensive mechanisms)، لتخفيف حدّة الصراع. ويمكن تلخيص وظائف الأنا في ما يلي:
(1) التكيف مع البيئة المحيطة، وعمل علاقات بالآخرين.
(2) ضبط الغرائز وتنظيمها، والتعبير عنها بطريقة مقبولة اجتماعياً.
(3) اختبار الواقع، والتصرف على أساسه.
(4) النهوض بالعمليات الثانوية، وما ينشأ عنها من تخليق وابتكار.
(5) الاضطلاع بالوظائف النفسية (البسيطة والمركبة).
(6) اللجوء إلى حيل دفاعية، إزاء الصعوبات والصراعات، التي تنشأ عن الخارج أو الداخل، كي يحافظ على حالة التوازن النفسي. ومن ثَم، فالحيل الدفاعية هي الحيل التي يلجأ إليها الأنا عند مواجهة صراع، لخفض التوتر، والوصول إلى توازن نفسي، وجميعها تتم لاشعورياً.